فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان فقال تعالى: أم حسبت أنهم كانوا عجبًا من آياتنا فقط، فلا تحسبن ذلك فإن آياتنا كلها عجب، فإن من كان قادرًا على تخليق السموات والأرض ثم يزين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ثم يجعلها بعد ذلك صعيدًا جرزًا خالية عن الكل كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم، هذا هو الوجه في تقرير النظم، والله أعلم.
المسألة الثانية:
قد ذكرنا سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} [الإسراء: 85] وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحًا فقال كان النضر بن الحارث من شياطين قريش وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث رستم واسفنديار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسًا ذكر فيه الله وحدث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم، وكان النضر يخلفه في مجلسه إذا قام، فقال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، فهلموا فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ثم إن قريشًا بعثوه وبعثوا معه عتبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما سلوهم عن محمد وصفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما إلى المدينة فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمد فقال أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإن حديثهم عجب، وعن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح وما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي وإلا فهو متقول، فلما قدم النضر وصاحبه مكة قالا: قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمد، وأخبروا بما قاله اليهود فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبركم بما سألتم عنه غدًا» ولم يستثن، فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة حتى أرجف أهل مكة به، وقالوا: وعدنا محمد غدًا واليوم خمس عشرة ليلة فشق عليه ذلك، ثم جاءه جبريل من عند الله بسورة أصحاب الكهف وفيها معاتبة الله إياه على حزنه عليهم، وفيها خبر أولئك الفتية، وخبر الرجل الطواف.
المسألة الثالثة:
الكهف الغار الواسع في الجبل فإذا صغر فهو الغار، وفي الرقيم أقوال.
الأول: روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كل القرآن اعلمه إلا أربعة غسلين وحنانا والأواه والرقيم.
الثاني: روى عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الرقيم فقال زعم كعب أنها القرية التي خرجوا منها وهو قول السدي.
الثالث: قال سعيد بن جبير ومجاهد: الرقيم لوح من حجارة وقيل من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وشد ذلك اللوح على باب الكهف، وهذا قول جميع أهل المعاني والعربية قالوا الرقيم الكتاب، والأصل فيه المرقوم، ثم نقل إلى فعيل، والرقم الكتابة، ومنه قوله تعالى: {كتاب مَّرْقُومٌ} [المطففين: 9] أي مكتوب، قال الفراء: الرقيم لوح كان فيه أسماؤهم وصفاتهم، ونظن أنه إنما سمي رقيمًا لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه، وقيل الناس رقموا حديثهم نقرًا في جانب الجبل، وقوله: {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا} المراد أحسبت أن واقعتهم كانت عجيبة في أحوال مخلوقاتنا فلا تحسب ذلك فإن تلك الواقعة ليست عجيبة في جانب مخلوقاتنا، والعجب هاهنا مصدر سمي المفعول به، والتقدير كانوا معجوبًا منهم، فسموا بالمصدر والمفعول به من هذا يستعمل باسم المصدر، ثم قال تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} لا يجوز أن يكون إذ هنا متعلقًا بما قبله على تقدير أم حسبت إذ أوى الفتية لأنه كان بين النبي وبينهم مدة طويلة فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف بل يتعلق بمحذوف، والتقدير اذكر إذ أوى، ومعنى أوى الفتية في الكهف صاروا إليه وجعلوه مأواهم قال فقالوا: {رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهي الهداية بالمعرفة والصبر والرزق والأمن من الأعداء وقوله: {من لدنك} يدل على عظمة تلك الرحمة وهي التي تكون لائقة بفضل الله تعالى وواسع جوده {وهيئ لنا} أي أصلح من قولك هيأت الأمر فتهيأ: {مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} الرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان.
الأول: التقدير وهيئ لنا أمرًا ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين.
الثاني: اجعل أمرنا رشدًا كله كقولك رأيت منك رشدًا ثم قال تعالى: {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} قال المفسرون: معناه أنمناهم وتقدير الكلام أنه تعالى ضرب على آذانهم حجابًا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة والتقدير ضربنا عليهم حجابًا إلا أنه حذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة ثم إنه تعالى بين أنه ضرب على آذانهم في الكهف وهو ظرف المكان وقوله: {سنين عددًا} ظرف الزمان وفي قوله: {عددًا} بحثان.
الأول: قال الزجاج ذكر العدد هاهنا يفيد كثرة السنين وكذلك كل شيء مما يعد إذا ذكر فيه العدد ووصف به أريد كثرته لأنه إذا قل فهم مقداره بدون التعديد أما إذا أكثر فهناك يحتاج إلى التعديد فإذا قلت أقمت أيامًا عددًا أردت به الكثرة.
البحث الثاني:
في انتصاب قوله عددًا وجهان.
أحدهما: نعت لسنين المعنى سنين ذات عدد أي معدودة هذا قول الفراء وقول الزجاج وعلى هذا يجوز في الآية ضربان من التقدير، أحدهما: حذف المضاف.
والثاني: تسمية المفعول باسم المصدر.
قال الزجاج: ويجوز أن ينتصب على المصدر، المعنى تعد عدًا ثم قال تعالى: {ثُمَّ بعثناهم} يريد من بعد نومهم يعني أيقظناهم بعد نومهم وقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَم} اللام لام الغرض فيدل على أن أفعال الله معللة بالأغراض وقد سبق الكلام فيه.
المسألة الثانية:
ظاهر اللفظ يقتضي أنه تعالى إنما بعثهم ليحصل له هذا العلم وعند هذا يرجع إلى أنه تعالى هل يعلم الحوادث قبل وقوعها أم لا، فقال هشام: لا يعلمها إلا عند حدوثها واحتج بهذه الآية والكلام فيه قد سبق، ونظائر هذه الآية كثيرة في القرآن منها ما سبق في هذه السورة ومنها قوله في سورة البقرة: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] وفي آل عمران {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ} [آل عمران: 142] وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ} [محمد: 31].
المسألة الثالثة:
{أَيُّ} رفع بالابتداء و{أحصى} خبره وهذه الجملة بمجموعها متعلق العلم فلهذا السبب لم يظهر عمل قوله: {لَنَعْلَمُ} في لفظة {أَيُّ} بل بقيت على ارتفاعها ونظيره قوله: اذهب فاعلم أيهم قام قال تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُم بذلك زَعِيمٌ} [القلم: 40] وقوله: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيًّا} [مريم: 69] وقرئ: {ليعلم} على فعل ما لم يسم فاعله وفي هذه القراءة فائدتان.
إحداهما: أن على هذا التقدير لا يلزم إثبات العلم المتجدد لله بل المقصود أنا بعثناهم ليحصل هذا العلم لبعض الخلق.
والثانية: أن على هذا التقدير يجب ظهور النصب في لفظة أي، لكن لقائل أن يقول: الإشكال بعد باق لأن ارتفاع لفظة أي بالإبتداء لا بإسناد يعلم إليه.
ولمجيب أن يجيب فيقول: إنه لا يمتنع اجتماع عاملين على معمول واحد لأن العوامل النحوية علامات ومعرفات ولا يمتنع اجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد، والله أعلم.
المسألة الرابعة:
اختلفوا في الحزبين فقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكًا بعد ملك، فالملوك حزب وأصحاب الكهف حزب.
والقول الثاني: قال مجاهد: الحزبان من هذه الفتية لأن أصحاب الكهف لما انتبهوا اختلفوا في أنهم كم ناموا والدليل عليه قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] فالحزبان هما هذان، وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول.
القول الثالث: قال الفراء: إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم.
المسألة الخامسة:
قال أبو علي الفارسي قوله: {أحصى} ليس من باب أفعل التفضيل لأن هذا البناء من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس فأما قولهم ما أعطاه للدرهم وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب وأفلس من ابن المدلق، فمن الشواذ والشاذ لا يقاس عليه بل الصواب أن أحصى فعل ماضٍ وهو خبر المبتدأ والمبتدأ والخبر مفعول نعلم وأمدًا مفعول به لأحصى وما في قوله تعالى: {لِمَا لَبِثُواْ} مصدرية والتقدير أحصى أمدًا للبثهم، وحاصل الكلام لنعلم أي الحزبين أحصى أمد ذلك اللبث، ونظيره قوله: {أحصاه الله} [المجادلة: 6] وقوله: {وأحصى كُلَّ شيء عَدَدًا} [الجن: 28].
المسألة السادسة:
احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات وهو استدلال ظاهر ونذكر هذه المسألة هاهنا على سبيل الاستقصاء فنقول قبل الخوض في الدليل على جواز الكرامات نفتقر إلى تقديم مقدمتين:
المقدمة الأولى: في بيان أن الولي ما هو فنقول هاهنا وجهان، الأول: أن يكون فعيلًا مبالغة من الفاعل كالعليم والقدير فيكون معناه من توالت طاعاته من غير تخلل معصية.
الثاني: أن يكون فعيلًا بمعنى مفعول كقتيل وجريح بمعنى مقتول ومجروح.
وهو الذي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته على التوالي عن كل أنواع المعاصي ويديم توفيقه على الطاعات واعلم أن هذا الاسم مأخوذ من قوله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ} [البقرة: 257] وقوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} [الأعراف: 196] وقوله تعالى: {أَنتَ مولانا فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [البقرة: 286] وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} [محمد: 11] وقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} [المائدة: 55] وأقول الولي هو القريب في اللغة فإذا كان العبد قريبًا من حضرة الله بسبب كثرة طاعاته وكثرة إخلاصه وكان الرب قريبًا منه برحمته وفضله وإحسانه فهناك حصلت الولاية.
المقدمة الثانية: إذا ظهر فعل خارق للعادة على الإنسان فذاك إما أن يكون مقرونًا بالدعوى أو لا مع الدعوى والقسم الأول وهو أن يكون مع الدعوى فتلك الدعوى إما أن تكون دعوى الإلهية أو دعوى النبوة أو دعوى الولاية أو دعوى السحر وطاعة الشياطين، فهذه أربعة أقسام.